لم يكن ذلك الشاب و الذي لم يكمل العقد الثاني من عمره ليقف صامت مكتوف الأيدي أمام ما يعانيه الشعب الفلسطيني من إهانة و إزلال و إغتصاب لأراضيه و حقوقه .لقد كان قوي البنيان و الشخصية سريع الحركة ويتمتع بذكاء شديد و سرعة بديهة إنه البطل سمير القنطارلقد كان قرار " أبو العباس " أمين عام جبهة التحرير الفلسطينية وقتها صائبا عندما أسند إليه عملية جمال عبد الناصرودع سمير القنطار أسرته قبل ان ينطلق هو و رفاقه "احمد الابرص" و "عبد المجيد اصلان " و " مهنا المؤيد "و في تمام الساعة الثانية صباح يوم 23 ابريل 1978 كان في الإنتظار زورق علي شاطيء مدينة صور اللبنانية جاهزاً و مطوراً لتتضاعف سرعته .ركبت المجموعة الفدائية الزورق من النوع زودياك و انطلقا باتجاه مستوطنة نهاريا و كان من المقرر إختطاف عالم الذرة الاسرائيلي دان هاران و عند وصول الزورق إلي شواطيء المستوطنة قامت المجموعة بذكاء و هدوء شديدين بإختراق حواجز الأسطول السادس الإسرائيلي حيث خفر مدفعية السواحل و إختراق شبكة من أقوى شبكات الإنذار البحري و مقر الذوارق العسكرية الإسرائيلية و من المفارقة أن الكلية الحربية الإسرائيلية تقع بالقرب من منطقة تسلل أفراد العملية الي المبني رقم 61 الواقعة في شارع جابوتسكي بمستوطنة نهاريا و إنقسمت المجموعة الي فرقتين إحداهما تقوم بعملية إختطاف عالم الذرة دان هاران و الذي تشبث بابنته اينات و رفض تركها و قامت الفرقة الثانية بتغطية عملية الإختطاف و تمت عملية الإختطاف و بدأت المرحلة الثانية من العملية و هي خطة الإنسحاب و بالفعل إتجهت المجموعة بإتجاه الشاطيء و لكن كشفت دوريه اسرائيلية أمر إختطاف العالم و حدث إشتباك بين أفراد المجموعة و دورية الشرطة وبعد إنطلق القنطار و رفاقة إلي الزورق و عند وصوله كان أحد أصدقائه أصيب و أستشهد الأخر فقرر القنطار العودة الي رفيقية علي الهروب بالرهينة منفرداً و عند عودته كانت قوات إسرائيلية قد وصلت من جهة الشاطيءو بذلك أصبح القنطار و رفاقة محاصريين و لم يعد أمامهم سوي القتال حتي الموت و لكن قوات الاحتلال لم تمهلهم كثيراً و إذ بوابل من الطلقات النارية تنهال عليهم من كل جانب و بكميات كثيفة و سقط كل أفراد المجموعة و الرهينتين أرضاً و من نتائج هذه العملية ستة قتلي و من بينهم الرهينتين دان هاران و ابنته اينات و إثني عشر جريحاًو أصيب سمير القنطار بخمس رصاصات و أستشهد إثنان من رفاقه هم عبد المجيد اصلان و مهنا المؤيد و وقع سمير القنطار في الاسر و بدا الاسرائيلين ممارسة نشاطهم المفضل في تعذيب الاسري يحكي القنطار قائلا لقد صلبت عارياً وبدأ جنود الاحتلال يتدربون فن القتال على جسدي، بقيت تحت الشمس ايام وليالي واقفاً ويداي للأعلى مقيدة بالحائط ورأسي مغطى بكيس من القماش الأسود الذي تنبعث منه رائحة نتنة بعد حفلة التعذيب هذه كبلوا جسدي بالجنازير وألصقوا بأذني مكبرات للصوت ومنها تدوي صافرة في الرأس حتى فقدت الشعور والإحساس بالوجود، أقسى ما عانيته عندما وقعت جريحاً, وبدأت عمليات إستئصال بعض الرصاصات من جسدي حيث كنت شاهداً على مشهد إستئصال تلك الرصاصات لأنهم لم يعطوني مادة مسكنة للألم، وعندما حاولت الصراخ من الألم أغلقوا فمي وكلما كنت أحضر للعيادة في السجن للتغيير على الجرح كان الطبيب يدخل إصبعه في الجرح بحجة أن عليه أن يتأكد من عيار الطلقات التي إخترقت جسدي، وأثناء التحقيق, كنت أجلس أمام المحقق مكبل اليدين والقدمين ,ويطفئ المحقق سجائره في يداي، بقيت في زنزانة طولها نصف متر وعرضها نصف متر وسط الظلمة لا أعلم متى يبدأ النهار ومتى ينتهي الليل و أخيراً تمت محاكمة القنطار و حكم عليه بخمس مؤبدات و 47 عاماً ًو في عام 1985 حدث عملية تبادل للاسري رفضت إسرائيل فيها رفضا باتاً الافراج عن سمير القنطار بالرغم من الافراج عن زميله في العملية أحمد الابرص و الان و بعد ما يقارب الثلاثون عاماً مضاها القنطار في السجون الإسرائيلية و قضي معظمها في الإضرابات الكثيرة التي قادها القنطار عن الطعام و لعل أشهرها إضراب تسعة عشر يوماً والتي إستطاع القنطار خلالها الإتحاق بجامعة تل ابيب المفتوحة و التخصص بمادة العلوم الإنسانية و الإجتماعية و حالياً يدرس الماجستير في مادة الديمقراطية و بذلك يكون القنطار مؤهلاً و بقوة للدخول في المعترك السياسي اللبناني و أخيراً خرج القنطار ليستبدل رائحة الدماء و التعذيب في السجون الاسرائيلية بنسيم الحرية وبدء مرحلة جديدة من الكفاح والجهاد والسيرعلى درب الابطال و بالتاكيد فان عملية جمال عبد الناصر مازالت تترك آثاراً معنوية و مادية في نفس سمير القنطار فلا تزال هناك رصاصة الجندي الإسرائيلي منذ ثلاثون عاماً مستقرة في رئته اليمني لتكون شاهدة علي بطولات هذا الرجل الذي رفض الخضوع و الاستكانة حراً كان أو آسيراً في المعتقلات الاسرائيلية تحية لهذا البطل بقلم م/ إسماعيل أحمد.
|