من الذاكرة ثورة 23 يوليو- تموز عبد الناصر والبعث والوحدة
قبل ان ابدأ برحلة الذاكرة لا بد لي من الاشارة الى انني احاول اولا مراعاة التسلسل الزمني قدر المستطاع ولا بد لي من ذكر اسماء وتواريخ لا بد منها حتى ان يكون الاحياء منهم شاهدون على ما اقول ومن ثم لا بد من الاشارة الى التاريخ في تاسيس البعث ونظريته في الوحدة والحرية والاشتراكية ، لانه من يجهل التاريخ لا يفهم الحاضر ولا يقدر ابعاد المستقبل ، فطوبى لنا اذا اصبنا والف الف طوبة للعملاء والخونة من امتنا العربية من حكام ومن جبناء من شعبنا العربي !! - لمحة تاريخية سريعة ، في عهد السلطنة العثمانية تاسست اواخر القرن التاسع عشر في الاستانة ( استانبول ) عدة جمعيات عربية قومية حتى سيطر حزب تركيا الفتاة على السلطة وهي حركة فاشية قومية متعصبة وبدات بالانتقام من العرب تجلت في مشانق مدحت باشا في شهر ايار في دمشق . وبانتهاء الحرب العالمية الاولى ونهاية الامبراطورية العثمانية وخيانة معاهدة سايكس – بيكو للعرب تم تجزئة الوطن العربي واحتلاله من الفرنسيين والانكليز. لم يكن هناك احزاب قومية بعد عام 1918 في الوطن العربي بل احزاب بورجوازية قادت معركة التحرر من الاستعمار وما ان تم الجلاء لبعض الاقطار العربية اصبحت تلك الاحزاب تمثل مصالح المستعمرين في وطننا العربي!! - من اهم الاحزاب في الوطن العربي ، في مصر حزب الوفد وتعامله مع الملك فاروق ، في سوريا حزب الكتلة الوطنية بزعامة ابراهيم هنانو زعيم الثورة السورية في شمال سورية ضد الفرنسيين وتوفي عام 1936 وخلفه شكري القوتلي وسعد الله الجابري . كان هناك الحزب الشيوعي اول حزب شيوعي في الوطن العربي اسسه خالد بكداش اواخر العشرينيات الذي توفي وامام فيلته سيارة مرسيدس هدية من حافظ الاسد وخان رفاقه وحزبه هذا الى جانب ان الحزب الشيوعي لم تتوفر له القاعدة العمالية والفلاحية في سوريا لنظريته الاممية وعدم الاعتراف بالقومية العربية وبالاسلام : حسب نظرية ماركس " الدين افيون الشعوب " وكان مربط الفرس لخيانة الحزب الشيوعي السوري من انه يوم الاحتفال بيوم النصر العالمي على المانيا الهتلرية انه خرج بمظاهرات وحملوا اعلام الحلفاء ، العلم الامريكي والانكليزي والروسي والعلم الفرنسي التي كانت يومها مستعمرة سورية ؟؟؟ !!! وبتاسيس الكيان الصهيوني اول دولة اعترفت بالكيان المجرم هو الاتحاد السوفيتي قبل امريكا وانكلترا والحزب الشيوعي السوري كان مؤيدا لهذه الخطوة الخيانية لان اسيادهم السوفييت وافقوا على ذلك ، وباختصار كان الحزب الشيوعي السوري بقيادة خالد بكداش حزب عميل وجواسيس للاتحاد السوفيتي !! - الاخوان المسلمين لم يكن لهم أي وزن في الشارع العربي السوري لا على المستوى العمالي والفلاحين والمثقفين وكان نشاطهم ينحصر في المساجد ومحاربة أي فكر قومي عربي تقدمي !! - الحزب القومي السوري تاسس بعد الاربعينيات بزعامة انطون سعادة لا يؤمن بالقومية العربية وشعاره " سوريا للسوريين والسوريين امة واحدة " ، هذا الى جانب انه حزب فاشي ونازي حتى تحية الاعضاء بين بعضهم هي تحية خليطة من الحزب النازي والموسولوني الايطالي وشعارهم الزوبعة المنشقة عن الصليب المعكوف النازي !! - اسس المرحوم المحامي اكرم الحوراني في مدينة حماة بعد منتصف الثلاثينيات حزب الشباب الذي تحول بعد ذلك الى الحزب العربي الاشتراكي واستطاع القائد العظيم اكرم الحوراني ابو رشيد من اكتساب اكبر قاعدة فلاحية كبيرة في ريف حماة امتدت حتى محافظة حلب وكان الحزب الفلاحي العمالي الوحيد في سوريا قبل تاسيس حزب البعث العربي والدمج بين الحزبين اوائل الخمسينيات باسم حزب البعث العربي الاشتراكي . - حزب البعث العربي : تاسس بعد منتصف الاربعينيات بعد عودة القائد المؤسس احمد ميشيل عفلق والمرحوم صلاح الدين البيطار من فرنسا من الدراسة ، واستطاع الاثنين من تاسيس حزب قومي اشتراكي واعطوا للقومية العربية المضمون الاجتماعي بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية مستفيدين من تجربتهم في اوربا مع الاحزاب القومية الاشتراكية اللاشوفينية واللاشيوعية ماركسية ، واستطاع الحزب الجديد من اكتساب شرائح عريضة من المثقفين في سورية وبعد الدمج توسعت قواعد الحزب من مثقفين حزب البعث العربي والكوادر الفلاحية والعمالية من حزب العربي الاشتركي . - واحب هنا ان اقفز زمنيا لما بعد منتصف الخمسينيات وبعد الانقلاب على الديكتاتو عميل شركات البترول العراقية الانكليزية من انه كان يوجد في محافظ حلب 39 نقابة نقابتين هم نقابة عمال شركة الكهرباء ونقابة عمال الحجارين بيد الحزب الشيوعي والــ 37 نقابة بيد حزب البعث العربي الاشتراكي ، اورد ذلك للاهمية التاريخية بتاثير حزب البعث على الشارع العربي السوري بتحقيق الوحدة !! - محطات سريعة من الذاكرة : استطاع الحزب بالقيام بالانقلاب على اديب الشيشكلي في شهر شباط – فبراير 1954 من مدينة حلب قام به الضابط البعثي مصطفى حمدون وبعد هرب الشيشكلي سلم الحزب للسلطة الشرعية قبل انقلاب الشيشكلي وتمسك بالقواعد الديموقرطية . - ما اودته اعلاه كان ضروريا لعلاقة البعث العربي الاشتراكي بثورة 23 يوليو وتحقيق الوحدة لا للسرد التاريخي لانني لست مؤرخا ولست هيرودوت !!! لنعود الى الى موضوعنا الاساسي " ثورة 23 يوليو- تموز عبد الناصر والبعث والوحدة " ، كان البعث الحزب القومي الوحدوي الوحيد في الوطن العربي باسثناء حركة القوميين العرب بقيادة المرحوم جورج حبش وكانت حركتهم شوفينية بحته ليس لها أي مضمون اجتماعي وانساني ، وعندما جاءت ثورة القائد الخالد جمال عبد الناصر تنفس البعث الصعداء من وجود حليفا له في تحقيق اهدافه بالوحدة والحرية والاشتركية وقد تبنت ثورة القائد عبد الناصر شعارات البعث مع التغيير من وحدة حرية اشتراكية الى حرية وحدة اشتركية والكل يصب بنفس القناة . واذكر ويذكر الكثيرون الذين عاشوا تلك المرحلة اذاعة صوت العرب بصوت المذيع الخالد احمد سعيد " هنا صوت العرب " وكان يردد احيانا " امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة " وتعرفت على احمد سعيد حينما زارني في سوريا منتصف الستينيات وكنت مديرا عاما في احدى شركات القطاع العام في حلب وتبادلت معه ذكريات تلك الايام المجيدة واقول الحق من انني وجدت به البعثي الاصيل ، لا انسى هنا عن حادثة ظريفة عن رفيق حزبي من اليمن اذ قال لي " هل تعرف ان الناس في اليمن عندما يريدون شراء راديو يذهبون لبائعين الراديويات ويقولون له نحن منريد راديو صوت العرب " !!!! عندما قامت ثورة 23 يوليو كان موقفنا في الحزب موقف الانتظار والترقب لما سيكون اتجاه الثورة حتى يوم حادثة المنشية في اسكندرية ومحاولة اغتيال الزعيم جمال من قبل الاخوان المسلمين وليس على مبدأ عدو عدوك صديقك بل لتجربتنا المريرة في سورية مع هذه الجماعة المجرمة واقفز هنا لسنوات قبل هذه الحادثة في منتصف عام 1953 حينما استطاع البعث من التحضير الى مؤتمر للاحزاب والنقابات في مدينة حمص لمقاومة الديكتاتو الشيشكلي عميل شركات البترول العراقية الانكليزية وعقد المؤتمر وحضره جميع الاحزاب من اقصى اليمين الى اقصى الشمال ما عدا الاخوان المسلمين الذين رفضوا الحضور او حتى التوقيع على الوثيقة واتمنى ان ينقض هذه الحادثة التاريخية السيد المرشد العام في مصر عاكف او السيد البيانوني ؟؟؟؟؟؟ ونعود لحادثة المنشية والاغتيال لقد هربت القيادات من الاخوان المسلمين الى الاردن للملك حسين بن زين واسس لهم مراكز للتدريب العسكري وفي مطلع عام 1960 ارسل ابن زين محمد سعيد رمضان الى السفارة الاردنية في بون المانيا كملحق ثقافي ؟؟؟ واتحدى مرة اخرى السادة في قيادة الاخوان نقض ذلك ؟؟؟؟ وقفزة زمنية ليوم الوحدة ومقاومة الاخوان قيام الوحدة والى الانفصال الذي قاده عائلة الدعارة السعودية بالتعاون مع المخابرات الصهيونية والامريكية ودعم الاخوان للانفصال ؟؟ زادت الثقة بالثورة بعد تاميم القناة والحرب العدوانية على مصر العروبة 1956 واستطاع البعث من استنفار الشعب العربي في سوريا للوقوف الى جانب مصر ضد العدوان الثلاثي وذلك عن طريق الجيش الشعبي الذي كان جميع قادته في سورية من الضباط البعثيين . واذكر هنا ما حدث في حلب : كان قائد الجيش الشعبي العقيد الركن امين الحافظ ابو عبدو " احب هنا الوقوف بسرعة للتعرف على امين الحافظ ابو عبدو كان من قبضايات حلب قبل التحاقه بالكلية العسكرية ومن حي شعبي البياضة ومن لا يعرف ابو عبدو لا يعرف رجال حلب " وكان حزبيا وصديقا للقائد الحزبي المناضل اديب النحوي وكنت اقابله في مكتب اديب للمحاماة واخبرنا ذات يوم من ان عبد الناصر ارسل الرائد عادل ابو ريا ليكون مساعدا له ، وبعد ايام وزع السلاح على الاحياء الشعبية وكان المسئول عن اكبر قطاع شعبي في حلب المرحوم الرفيق الضابط عبد الله شمس الدين عيسى واتفقنا ان ان يكون مستودع السلاح في دارنا لانها كبيرة وتم توزيع المقاتلين على الاسطحة في الاحياء وبانتظار ساعة الصفر لانه وصلت معلومات من توقع انزال تركي صهيوني في حلب ، لا انسى تلك الليالي عندما كان الرجال يطلقون الرصاص في الفضاء ويرددون الاناشيد القوميةولم يعد عندهم صبر ليوم المجابهة !!! انها ايام عظيمة ايام عبد الناصر والبعث !!! محطات من الذاكرة على طريق الوحدة . - باندماج الحزبين البعث العربي والعربي الاشتراكي تحققت الركيزة العظيمة لحزب ثوري ، القاعدة الفكرية والفلسفية جاء بها ميشيل عفلق وصلاح البيطار والكوادر المثقفة من جمال الاتاسي الى عبد الكريم زهور والياس فرح وجورج طرابيشي وادهم مصطفى والكوادر العمالية والفلاحية والضباط جاء بها القائد اكرم الحوراني وكان تكاملا مثاليا للسيطرة على الشارع العربي السوري ، بعد الانقلاب على الشيشكلي واجراء الانتخابات نجح للبعث 17 نائبا فقط من اصل 150 نائبا واستطاع اكرم الحوراني ان يتوصل الى رئاسة مجلس النواب وهذا مما له اثر كبير على مسيرة الوحدة ؟؟؟ - كان الاتصال وثيق ومستمر بعد الاعتداء الثلاثي بين البعث وعبد الناصر ، واذكر هنا دور قنصل مصر محمود رياض في حلب وعلاقته مع القائد الحزبي المرحوم عبد الفتاح زلط وكنا نقابله مرارا في مكتبه في بناية العبارة في حلب وكان محمود رياض من المقربين جدا من البعث. - في خضم المظاهرات التي نظمها البعث للوحدة عام 1957 والاتصالات بين قيادة البعث وعبد الناصر ارسل الرئيس انور السادات الى سورية لتنسيق وجهات النظر بين الاتحاد الاشتراكي والبعث وحضر السادات الى حلب واجتمعنا معه في فندق بارون الشهير ( فندق بارون كان الوحيد في حلب وله شهرة تاريخية من نزلائه الامير فيصل بن الشريف حسين ولورنس وتشرشل ) وكنت جالسا على مقربة منه وبدأ النقاش والاسئلة من الرفاق القياديين في الحزب ووجهت للسادات السؤال التالي : اذن ماهو الاتحاد الاشتراكي ونظرياته وفكره ؟؟ اجاب وليتني لم اوجه له السؤال " الاتحاد الاشتراكي هو الاتحاد الاشتراكي ودستوره القران !!!!!!! وبعد الجلسة بدانا نسال انفسنا لماذا ارسل لنا الريس هذا الحمار ؟ - عندما وصلت المحادثات بين قيادة البعث في دمشق وعبد الناصر طلب الريس ان ترسل سوريا مجموعة من الضباط للتناقش معهم وكان الريس على معرفة بوضع سوريا وانقلاباتها واستطاع القائد اكرم الحوراني من ارسال مجموعة من الضباط على راسهم المرحوم عبد الغني قنوت البعثي ومن بين الضباط اصدقاء الحزب الشيوعي مثال عفيف البزرة الى مصر لمقابلة الريس ، من الرغم من ان الحزب لم يكن حاكما في سوريا !!!! - وتمت الوحدة تحت شرط ان يحل حزب البعث نفسه من اجل الوحدة !!! ؟؟؟؟ وبدات المناظرات الحادة داخل الحزب ؟؟؟ حزبنا حزب قومي عربي ولكن جواب القيادة من اجل الوحدة نحل الحزب في سوريا فقط !! وجاء اليوم القاسي المميت لنا كبعثيين عندما حضر الى حلب كل من ميشيل عفلق واكرم الحوراني ومدحت البيطار شقيق صلاح واجتمعوا بنا في مسرح الازبيكة في حلب وتم ترديد الشعار " امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة " وشرح لنا اعضاء القيادة اهمية الوحدة وان الحزب سيبقى في الوطن العربي " وكانت الماساة ، تعودنا ان نردد شعار الحزب في بادئ الاجتماع وفي نهايته وعند انتهاء الاجتماع منعنا من ترديد الشعار لانه لم يعد هناك شئ اسمه البعث العربي الاشتراكي وخرجنا نبكي من اجل الحزب ولكن : استطاع الحزب بتحقيق اول وحدة عربية مع مصر العروبة ومع القائد البطل الخالد جمال عبد الناصر ومسيرة البعث في وطننا العربي حققت اعظم انتصار على اعظم قوة عسكرية وسياسية واقتصادية في العراق بقيادة ابو الشهداء صدام حسين ابو عدي. وتمت الوحدة وكنا نحن شباب البعث نبكي من الفرح بعدما كنا نبكي على حل الحزب ! وجاء الريس حلب وزحفت الملايين من من حلب والمدن الشمالية في سوريا ايام لا يمكن وصفها الا للذين عاشوها
الوعـي العـربـي
