ثـــورة الــغضــــب أيقـــــــــظــت المـــــارد
إن ما قام به الشعب المصري في ثورتة يوم الخامس والعشرون من يناير "كانون الثاني" أكد لكل من شكك في إمكانية نقل عدوي انتقال الثورة التونسية إلي مصر أن كلامهم هو مجرد أوهام ومنهم من وصف هذا الكلام بأنه فارغ ، لقد صدقت كل الآراء التي أقرت بوجود أوجه شبه بين ما يجري في تونس وما سوف يجري في مصر وقد صحت هذه الرؤى والقراءات وقد كنا من الذين أقروا بإمكانية أنتقال عدوي الثورة إلي مصر ومن ثم إنتقالها إلي كل كفر ونجع لتتحول إلي ثورة شعبية جامحة ، لقد أشتعل الشارع غضبا وأهتزت الأرض من تحت أقدام الشعب لتهتز معها الحكومة وكافة الرموز العتيقة ولم نسمع لهما صوتا في ذلك اليوم وأختفوا عن الساحة وتواروا عن الأنظار خوفا من هذا المارد الجبار الذي كسر حاجز الصمت والخوف و خرج للتو من القمقم ولن يستطيع أحد أعادته إلي هذا القمقم مرة ثانية ، لقد ظل هذا المارد طوال عقود ماضية يخاف من حارسه حتي حانت اللحظة التاريخية لكي يتحرر وينطلق وينطق بل ويصرخ وبأعلى صوت معبراً عن سخطه وغضبه عن ما آلت إليه أوضاعه وأحواله وحياته، هكذا كان خروج هؤلاء المصريين من المطحونين والمقهورين وأبناء المنتحرين حرقا وغرقا وكمدا ولأول مرة في تاريخ الحياة السياسية في مصر ومنذ عهد الملكية يخرج الشعب بالآلاف وتجمع في ميدان التحرير وسط حصار أمني مكثف، ورددوا شعارات تطالب النظام المصري بالرحيل وتحمله مسؤولية ما وصفوه بـتردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، لقد جسد يوم الغضب لحظة تاريخية هامة في حياة الشعب المصري والتي جسدت خروج المارد وهو نتيجة حتمية لتخلي الدولة عن القيام بواجباتها ومسئولياتها نحو المواطن البسيط مما دفع مواطنيها إلي الإقدام علي الانتحار بكامل إرادته ، فالشعوب عندما تنهض من غيبوبتها وغفوتها وتلوح هبته في الأفق وعندما يقرر رفض الاستسلام للمزيد من الظلم والقهر والإذلال يصبح من الصعب أن يعود من جديد إلي داخل القمقم مهما كانت التضحيات ، إن الشعوب ليست بحاجة إلي من يقودها نحو التحرر من الظلم والقهر لأنها وببساطة شديدة مدعومة بمطالب سياسية ولابد الاستجابة لها وأن قيمة أي أنتفاضة حقيقية بمدي شعبيتها وبمدي ما تعبر به عن الجماهير الواسعة وبمدي ما تهيئه من قوي هذه الجماهير لإعادة صنع المستقبل وبمدي ما يمكن أن نوفر لهذه الجماهير من قدرة علي فرض أرادتها علي الحياة وان الديموقراطية هي تأكيد لسيادة الشعب ووضع السلطة كلها في يده وتكريسها لتحقيق أهدافه ، أن مطالب الجماهير هي مطالب مشروعة مائة بالمائة وعمل إيجابي يستهدف إقامة أوضاع جديدة وان الأسلوب الإصلاحي الذي يكتفي بترميم البناء القديم المتداعي وصلبه بقوائم تسنده وإعادة طلائه لا جدوى في ترقيعه وإنما إحتياجات الوطن تتطلب بناءاً جديداً ثابت الأساس صلبا شامخا ، إن شعبنا قد عقد العزم علي أن يعيد صنع الحياة علي أرضه بالحرية والحق بالكفاية والعدل وبالمحبة والسلام أن شعبنا يملك من إيمانه بالله وإيمانه بنفسه ما يمكنه من فرض أرادته علي الحياة ليصوغها من جديد وفق أرادته ، وأن التغيير المطلوب لايعني تغيير أشخاص لم يكونوا علي مستوي المسئولية سياسيا وتنفيذيا وابتعدوا عن الجماهير وعزلوا أنفسهم عن مشاكلها وتقضي المصلحة الوطنية أن يبتعدوا عن العمل تحقيقا لما جاء بمطالبهم لان القيادات حين تخلع جذورها من التربة الشعبية تحكم علي نفسها بالذبول والموت ، وان أهداف التغيير المطلوب في حقيقته فكرا أوضح وحشدا اقوي وتخطيطا أدق وبذلك يكون للتغيير معني وتكون للإرادة الشعبية مقدرة اجتياح كل العوائق والسدود نافذة واصلة إلي أهدافها وعلي النظام المصري أن يعي الدرس جيدا ويستوعب مطالب الجماهير المقهورة وإصلاح ما فسد فالعواصف لا تهب مرة واحدة وإذا هبت فلن يقف في طريقها شئ فهل فهموا الدرس أم أن الدرس قد أنتهي .
الــوعــي العـربـي