الاثنين


كانت ثورة23 يوليو 1952قبل ثمانية وخمسون عاماً من اليوم بقيادة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ورفاقه من الضباط الأحرار هي نقطة التحول بالغة الأهمية ليس علي تاريخ مصر الحديث فحسب وإنما في تاريخ المنطقة العربية بأسرها أيضا ثم سرعان ما انتقلت أهدافها القوية والفعالة علي الصعيدين الدوليين الأسيوي والإفريقي خاصة بحكم أهدافها وسياساتها ،إن ثورة يوليو ليست مجرد فكر نظري بل إنها وقبل كل شئ هي أهم حركة جماهيرية مناهضة لكل أشكال الاستعمار وأتباعه هذه الثورة استطاعت أن تطبع بصماتها علي الواقع المصري والواقع العربي كما كان لها تأثير واضح علي كل حركات التحرر في العالم الثالث لكونها حركة سياسية جماهيرية قام بها الجيش المصري بقيادة أبنائه الأبطال والأحرار والتحم فيها الشعب بالجيش ضد قوي الظلم والإظلام ، إن حديثنا اليوم لن يقتصر علي ما قامت الثورة بإنجازه لان ذلك سوف يحتاج منا إلي ألاف المجلدات ولن نتكلم علي ما تبقي من الإنجازات لان هذا لن يكلفنا إلا سطور ولذا نتناول مفهوم وفلسفة الثورة دون حصرها في شخصية الزعيم عبد الناصر لذا نقول بان ثورة يوليو هي حصيلة تجارب وصراعات الشعب المصري ضد الاستعمار والإقطاع والرأسمالية المستغلة طيلة قرن من الزمان وكان علي الثورة لكي يكتب لها الحياة وان تشق طريقها إلي النجاح أن تواجه التحديات الاستعمارية والإمبريالية والرجعية العالمية التي عملت علي إفشال هذه الثورة بكافة السبل والمؤامرات والاعتداءات العدوانية علي مصر إلا أن إرادة أبناء الثورة في ذلك الوقت كانت مرهونة بإرادة أبناء شعب مصر بل وأبناء الشعب العربي الذي أعتبر هذه الثورة هي الملهم لكل حركات التحرر التي قامت عليها أسس الثورات ضد الطغيان الاستعماري الإمبريالي وبإصرار شعبنا وامتنا العربية وصدق الرؤية لمن يملكون الإرادة القوية والإيمان الصادق بالقضية والرعية هي التي أفشلت هذه العقبات التي وضعها الاستعمار وأعوانه في وقف عجلة الثورة أو إعادة عقارب الساعة إلي الوراء ولقد استطاعت هذه الثورة أو الحركة الشعبية التحررية بقيادة أبناء مصر الأوفياء من أبناء الطبقة الفقيرة في ذلك الوقت من تحقيق الشخصية المصرية باعتبارها عربية بعد أن حاول الاستعمار البريطاني بإحتلال دام أكثر من ثمانين عاماً عمد إلي طمس وعزل الهوية المصرية عن محيطها العربي والإسلامي والتاريخي ومع بشائر التحرر والمد الوطني والمد القومي في أنحاء الأرض العربية التي أشاعتها ثورة يوليو والتي تحطمت علي أثرها الأحلاف العسكرية كحلف بغداد الذي سعت الإمبراطورية البريطانية العظمي لتأسيسه والتي دعت فيه مجموعة من الدول العربية إلي دخولها مع عدد من الدول الإسلامية الكبري مثل إيران وتركيا وباكستان أما فيما عدا ذلك من الدول الرافضة فلا يبقي أمامها إلا الاحتراق في جحيم الغضب البريطاني ولكن قيادة الثورة ممثلة في عبد الناصر كان رفضها لهذا الحلف قويا رافضا الإنضواء تحت جناح أي قوة أجنبية لعلمه اليقيني بان الهدف من هذا الحلف هو تطويق إرادة التحرر الوطني التي كانت تنطلق من الأرض العربية التي تحتلها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا لإخماد نجاح إي مشروع ثوري وقومي علي غرار ثورة يوليو الذي احتضنته الجماهير إلا إن إصرار القيادة المصرية في ذلك الوقت أفشلت سياسة الأحلاف العسكرية وانفرط عقد هذا الحلف تماما عندما انتقل المد الثوري المصري إلي العراق الحبيبة والعزيزة إلي قلوبنا بثورة عبد الكريم قاسم 1958 ضد النظام الملكي الذي حل محله نظام معاد للتوجهات البريطانية وموالي لمشروع القومية العربية فأعلن انسحابه من هذا الحلف ولم تجد بريطانيا العظمي لها موضع قدم ولا حليف فولت أدبارها مدحورة ويبقي الفضل في إسقاط هذا الحلف وإفشاله بقيادة والهام مصر الثورة ورجالها التي شجعت بقية الدول العربية علي إتباع خطاها ، كما كان لثورة يوليو 1952الفضل في إحداث التغيرات الجذرية للواقع العربي وتأسيس مشروع عربي وحدوي نهضوي اشتراكي كان لها الفضل في صنع حركات التحرر في إفريقيا بإعتراف الأفارقة أنفسهم وهي صانعة حركات عدم الإنحياز التي طالما واجهت صلف الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي المنحل ، لقد حققت ثورة يوليو طموحات وتطلعات الشعب العربي للوحدة العربية والعدالة الاجتماعية فاتجهت الثورة إلي تبني سياسة اتفاقيات دفاعية عربية مشتركة مع المملكة السعودية وسوريا واليمن والأردن فضلا عن رعاية الثورة للقضية الفلسطينية التي يستحيل فصل أمنها القومي العربي عن أمن مصر وصولا إلي قضية السودان ورغبة الاستعمار في فصلها عن أمن مصر، وعلي أبناء الأمة العربية ممن عايش الثورة أو يعيشون الثورة بكل فلسفتها الثورية أن يعوا أن مستقبل الأمة والوطن وأمنه لن يكون قادرا القضاء علي الاستعمار الجديد الذي بدأ يزحف علينا من جديد ويطبق بأيادية القوية علي رقاب امتنا وشعوبنا العربية والإسلامية لإعادتنا مرة أخري إلي مناطق نفوذه إلا بإستمرار مبادئ الثورة كما قال عبد الناصر فهي ليست فوراناً عاطفيا وإنما الثورة في أصالتها وعلي الأمة العربية أن لا تدع ذكري مرور الثورة يمر عليها مرور الكرام كما لو كانت ذكري للتأبين وليست للإستبيان وإستلهام العبر والدروس وخاصة ونحن نعيش اليوم في ظل مراحل ومنعطفات تاريخية هامة تمر علي الأمة العربية وهي عودة الاستعمار الأمريكي الصهيوني الجديد الوريث للإستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي ليكرر نفس الخطة ولنفس الأسباب تحت ستار شعارات محاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية وخلق نموذج مثالي لدولة فلسطين ومحاربة قوي التطرف الإسلامي "قوي المقاومة الوطنية والإسلامية"الصاعدة في كل إرجاء الوطن العربي و الإسلامي من باكستان شرقا إلي المغرب غربا وبمساعدة هذه الدول بعد أن عجزت آلتها الحربية عن إيقاف قوي المقاومة ، وفي ظل اليوم ونحن نستلهم مآثر وعبر ثورة تموز/ يوليو 1952وفي خضم هذه الإحداث المريرة والتي تمر علي أمتنا العربية التي تكاد تعصف بإنجازات الثورة أو إذا افترضنا بقاء شئ من هذه الإنجازات إلا أن أهم ما في إنجازات هذه الثورة هو بقاء الشعوب التي تعرف التاريخ وتعلمه للاأبناء والأجيال القادمة .